لبنان،حلبةُ صراعٍ تتلاشى!

٢٢ تشرين الثاني ١٩٤٣،لم يكن استقلالا حقيقيا لا بل مثل مرحلةً انتقاليةًلظهور شكل جديد من أشكال المس بالسيادة، فالتاريخ الحديث بما يحمل من أحداثٍ متراكمة خيرُ دليلٍ على ذلك.منذ زمن الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي بات الاحتماء بدول خارجية واقعا، بحيث انقسم نداء الشعب اللبناني للخارج على أساسٍ طائفي، فالمسيحيون لجأوا الى الدول الاجنبية بينما المسلمون احتموا بالدول العربية ليأتي الميثاق الوطني فارضا أولى أشكال الحياد المتمثل بالاعتراف بان لبنان ليس جزءا من الامة العربية لا بل دولة عربية مستقلة تتعاون مع باقي الدول العربية دون الانحياز الى دولة دون الاخرى وكذلك الامر بالنسبة للغرب بحيث ان لبنان لا يدين بالولاء لأي دولة غربية إلا أنه بقي اتفاقا شفويا دون تطبيق عملي.وكذلك تم تقديم مشروع الحياد عام ١٩٥٩ ليعود ويطرحه حزب الكتائب عام ١٩٦٨دون جدوى.

وبالعودة إلى الاحداث السابقة، تظهر المحطات التاريخية شاهدا واضحا على التدخلات الأجنبية التي جعلت من لبنان ساحةً مشروعةً لعروضٍ تتنافس في تقديمها كل من الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا وفرنسا دوليا، وكل من السعودية، إيران وسوريا إقليميا مما يزيد من حدة الصراع الداخلي فيُضعِف نظامَ البلاد وصولا إلى خرق سيادة الوطن ليتحول إلى دولة راضخة للخارج تطبق تعليماته ذات الأجندات الخاصة والمصالح السياسية.هنا يصبح مفتاح لبنان مباحا أمام الجميع وأمنه هشّا شديد التأثر بالصراعات الإقليمية والدولية مما يبعد منطق الحياد ومصطلح النأي بالنفس أشواطا عن واقع التطبيق.

لقد تجذر التدخل الخارجي في معظم مفاصل حياة الشعب اللبناني والذي ظهرت أبرز أوجهه بدايةً مع الاحتلال العثماني الذي قام على تقسيم لبنان إلى مقاطعتين، واحدة للمسيحيين وأخرى للدروز تحت إسم "القائمقامية المزدوجة"،استُبدل لاحقا بنظام متصرفية إلى جانبها مجلس يمثل مختلف الطوائف اللبنانية،إضافة الى رموز أخرى كالدستور اللبناني المنبثق عن مسودة الدستور الفرنسي وصولا إلى اتفاق الطائف عام١٩٨٩ ومؤخرا اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القاضي بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية دون أن ننسى دعم فرنسا للمسيحيين وبريطانيا للدروز خلال صراعهما الطائفي؛جميعها براهين على هذه التدخلات والتي بدورها ساهمت في تغذية النزاعات الطائفية،عززت الحروب الأهلية وزرعت الشرخ القائم في البلاد وكلها خطوات مدروسة تسهل سيرعملية السيطرة على لبنان إنطلاقا من مبدأ"فرّق تَسُدْ".

ومن هنا يمكن التأكيد على أن الحياد الايجابي يشكل إحدى الحلول لضمان العيش المشترك وصون السلم الاهلي المطلوب لصمود لبنان أمام التحديات على مختلف الأصعدة والتخفيف من تداعياتها. هذا ما طرحه مؤخرا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والذي ركز على تحييد لبنان عن الصراعات العربية ليضمن حماية جميع الفئات والطوائف اللبنانية كما كان سائدا في عهد الرئيس فؤاد شهاب.فلبنان دولة صغيرة ذات إمكانات عسكرية ضعيفة ويعاني من أزمات في مختلف الميادين ما يجعله عاجزا عن تحمل المزيد من الأعباء التي قد تتراكم عليه في حال اتجه نحو التدخل في الصراعات الإقليمية أو الدولية كما سينعكس ذلك سلبا عليه وعلى المواطنين أجمعين إلا أن كيان العدو الاسرائيلي يبقى واقعا لا يمكن الهروب منه ما يفرض الاستثناء في موقف الحياد بحيث لا يمكن الاعتراف بدولة إسرائيل.

الحياد الايجابي مطلوب وبشدة اليوم، خاصة بعد التدهور الإقتصادي وتفاقم حدته بفعل تطبيق قانون قيصر فالتحييد يحمي لبنان من التعديات الخارجية مع الحفاظ على قدرته على الدفاع عن كيانه اذا ما تم تطبيقه بالطريقة الأمثلتفاديا لحدوث إنقسام داخلي.ومن أولى الشروط المطلوبة لذلك، دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بحيث يتم ذلك عبر الحصول على مساعدات خارجية دون ان تكون مشروطة بتحالفاتٍ وهذا ما يحقق الغاية دون المس بأسس التطبيق السليم للحياد. لبنان بحاجة لإعادة ترميم إقتصاده المنهار، عاصمته المدمرة والنقص الكبير في مجالي التعليم والطبابة دون ان ننسى الفساد السياسي الذي يتغذى من النظام الطائفي الصامد بفضل الصراعات الخارجية التي يجب على لبنان تجنبها والابتعاد عنها. وفي مئوية لبنان الأولى نستذكر أن نشأة لبنان الكبير عام ١٩٢٠ قامت على فلسفة الحياد،ومن هنا اتخذت الدولة الشكل الأولي للحياد.فهل سيتمكن لبنان من التوصل الى الوفاق حول الحياد الايجابي ليُجنِّبه الصراعات الإقليمية والدولية التي لا تجلب له سوى المزيد من الأعباء مما يجعل مسألة إعادة نهوضه حلما بعيد المنال؟

 

 

 

 

 

كلمات مفاتيح:



//