مقاربة الواقع الإقتصادي والمالي في لبنان بعد تشكيل الحكومة

 

يدور الحديث عن أهمية تشكيل الحكومة للخروج من الأزمة الراهنة، وكأنّها “العصا السحرية” التي يمكن أن تنتشل الوطن من كبوته العميق والمتداخل بين التجاذبات المحلية، الإقليمية والدولية.

ولا شك بأن الخلاف المحلي بين “الحريرية السياسية” و”العونية السياسية” هي العقدة الأساسية في ملف تشكيل الحكومة على المستوى المحلي، خصوصًا أن باقي الأفرقاء المحليين يعبّرون بشكل واضح عن تقديمهم التسهيلات الممكنة في سبيل الإنتهاء من التشكيل والانتقال نحو حل الأزمة، التي إذا طالت قد تؤثّر على كينونة لبنان.

وقبل الغوص في مقاربة الواقعين الإقتصادي والمالي بعد تشكيل الحكومة، لا بد والتطرّق للواقع الإقليمي الذي يبدو أنه “مؤثّر فعّال” قبل وخلال وحتى بعد تشكيل الحكومة، فالمصادر الواسعة الإطلاع تعبّر بشكل واضح عن عدم رضى السعودية عن تشكيل أي حكومة يكون “حزب الله” شريكًا فيها، في حين أن الحزب، الممثَل في البرلمان اللبناني بكتلة وازنة، هو شريك أساسي في المبادرة الفرنسية وفي الحكومة، وبالتالي تبقى هذه الإشكالية معقّدة إلّا إذا استطاع الرئيس المكلّف سعد الحريري الخروج من عباءة المملكة العربية السعودية الإقليمية. ولكن، هل تدعم المملكة ماليًا حكومة غير راضية عن مضمونها؟ وهل يستطيع رئيس الحكومة أن يُرضي السعودية و”حزب الله” في آنٍ معًا؟

أمّا على المستوى الدولي، فالخلاف الأمريكي – الإيراني قد يؤثّر بعض الشيء على سير عملية تشكيل الحكومة، إلا أنه “غير مفصلي” بحسب ما توحي الأجواء.

وفي المضمون، فإذا اعتبرنا أن حكومة الرئيس المكلّف سعد الحريري أبصرت النور غدًا، فما هي المقاربة العلمية على المستوى الإقتصادي والمالي التي يمكن أن نستند إليها؟

على المستوى الإقتصادي

إن واقع لبنان الإقتصادي هو واقع استهلاكي وليس إنتاجي، وبالتالي فلا بد من أن تكون الخطة التي يجب العمل عليها قادرة على تغيير واقع لبنان الحالي، وأن تحوّله من واقع استهلاكي يعتمد على الاستيراد بالعملة الصعبة، إلى واقع إنتاجي يعتمد على استيراد المواد الأولية وإنتاج ما يكفي أو زيادة، ليتحوّل حينها الإقتصاد اللبناني إلى إقتصاد مختلف. هذا الأمر ليس سهلًا، خصوصًا إذا كان الفريق المكلّف تشكيل الحكومة قد خاض تجارب سابقة، ولم يستطع خلالها تقديم أي شيء على مستوى نقل الوطن من واقعه الاستهلاكي السيء إلى واقع إنتاجي متطوّر. لذلك، فالتجربة على المستوى الإقتصادي لا تُبشر بالخير كثيرًا.

وفي هذا السياق، لا بد من طرح بعض الأسئلة البسيطة:
– هل من خطّة لدى رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري للخروج من واقعنا الحالي؟
– ما هي المدّة الزمنية التي يمكن تقديرها للخروج من هذا الواقع؟

قد لا نستطيع الإجابة عن السؤال الأول، لأنّنا لا نستطيع أن نحكم على ما نجهل في موضوع وجود خطة من عدمه، لكن من المؤكد أن المؤشرات العلمية تقول إنّنا بحاجة لمدّة زمنية لا تقلّ عن ثلاث سنوات كحد أدنى، من أجل الخروج من هذه الأزمة في حال وجود خطّة إقتصادية محكمة تحوّل الإقتصاد اللبناني من اقتصاد استهلاكي إلى اقتصاد مُنتج.
ومن الجدير بالذكر، أن للبنان أصدقاء كثر يستطيعون الوقوف إلى جانبه من أجل تعزيز الإستثمار المحلي، في سبيل تحويل الإقتصاد اللبناني إلى اقتصاد ناجح.

على المستوى المالي

الواقع المالي في لبنان هو أكثر تعقيدًا من الواقع الإقتصادي، كونه متشعب وله ارتباطات محلّية وإقليمية ودولية. ولكن ومن أجل البحث في الشق القريب من الحدث، سنفترض أن حكومة الرئيس المكلّف قد أبصرت النور غدًا، فما هي أهم الاستحقاقات التي يجب أن تتوقف عندها؟

بداية، لا بدّ وأن يكون لدى الرئيس المكلّف خطّة عمل خاصة في الواقع المالي للدين العام اللبناني وكيفية معالجته، خصوصًا أن الأرقام تشير إلى خدمة دين عام قد تصل إلى 5 مليارات دولار، مقابل واقع مالي مهترئ وخزينة مالية تغيب عنها العائدات، فهل سنعتمد على أموال الديون التي يمكن أن نجمعها من مؤتمر الدعم الدولي؟

مجرد الإجابة عن هذا التساؤل بنعم، يؤدّي إلى نسف كل الأفق الذي من الممكن التوقف عنده في سبيل إنقاذ لبنان، لأنّه وإذا كان التفكير يصبّ في سبيل الإستدانة من أجل سدّ فوائد ديون سابقة، يعني أنّنا نتجه نحو المجهول، لذلك يجب أن يكون هذا الأمر في حسابات الرئيس المكلّف إذا كان لديه النية الحقيقية في إنقاذ لبنان، بالإضافة إلى البعد العلمي لهذا الأمر.

من جهة أخرى، لا بد والتوقف عند العلاقة التي يجب أن تجمع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مع وزير المالية في الحكومة التي ينوي تشكيلها، مع حاكم مصرف لبنان ورئيس لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني. هذه العلاقة بين هذه المجموعة من المسؤولين، يجب أن تكون على ما يرام، لأن المجتمع الدولي سيُعيد التفاوض مع لبنان من خلال هذه المجموعة، والتي ذهبت خلال أشهر مضت إلى التفاوض مع البنك الدولي بأرقام مختلفة عن بعضها البعض.

إذًا، وفي عرض للواقع الإقتصادي والمالي في لبنان، ولبعض الهواجس والتساؤلات التي نتوقّف عندها في سبيل فهم حقيقة ما يمكن أن يقدّمه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، نرى أننا بحاجة إلى خطة مالية وإقتصادية عميقة وليست سطحية، لكي نثق بقدرتنا على الخروج من هذه الأزمة، فالواقع المالي والإقتصادي معقّد جدًا.

كلمات مفاتيح:



//