السادسة والسبع دقائق: حين توقفت الحياة

 

يقال إنه في حياة كل إنسان لحظة لا تعود بعدها الحياة كما كانت. لحظة واحدة تغير الحاضر وكل ما هو قادم. لعل اللبنانيين كلهم مروا بهذه اللحظة المفصلية في تمام الساعة السادسة وسبع دقائق قبل أكثر من أسبوع. أي حين وقوع الانفجار الكبير في مرفأ بيروت. 

لحظة مؤلفة من صوت مدو وصل صداه إلى قبرص، ومن هزة أرضية وانفجار خلّف وراءه الكثير من الدمار ومئات الضحايا وآلاف الجرحى عدا عن المفقودين الذين هم تحت الركام إلى الآن.  

صحيح أن الحياة تستمر ولا تتوقف عند مرور لحظات عصيبة كهذه لنستوعب هول ما حصل، وأننا سنكمل أيامنا بشكل أو بآخر، ولكن الفارق أننا سنكملها وفي قلوبنا ألم مستمر يتجدد مع كل قصة لضحية سقطت جراء الانفجار، بدءاً من قصة العروس سحر فارس وخطيبها الذي فقد حياته حين فقدها. وكذلك قصة الأم التي وصفت ابنها ب "ابني طويل وحلو وعيونه خضر" وهي تبحث عنه لتعرف لاحقاً بأنه فارق الحياة. ث قصة الشهيد علي مشيك الذي بقي ساعة عمل إضافية في المرفأ لتكون ساعته الأخيرة، فضلاً عن قصص موجعة أخرى لا تنتهي ستنكشف مع الوقت. هذا الوقت الذي تجمد لبرهة حين وقوع الحادثة وعاد ليمر بثقل على أرواحنا الهشة. سنكمل أيامنا وفي ذاكرتنا مشاهد الناس وهم يحمون أنفسهم من الشظايا المتناثرة في الهواء بخوف وقوة في آن. سنكمل أيامنا وصوت الطفل الذي ينادي أمه "ماما ما بدي موت" عالق في مسامعنا. سنعيش مع ذاكرة لا تهدأ باسترجاع المأساة كل لحظة، وبتذكيرنا كل ما وضعنا رأسنا على الوسادة لننام، أنه لا زال هناك من ينام تحت الركام من دون أثر.

مواقف كهذه تتطلب منا أن نعيشها بكل جوارحنا استجابة لانسانيتنا، وهذا ما كنا نفعله، إلى أن أتى من استغل أوجاعنا واستثمر في دماء الضحايا والجرحى من قنوات إعلامية وسياسيين ومسؤولين وحتى مواطنين. 

بدأ هؤلاء بتقسيم الوجع حسب الدين والمنطقة والحزب. يرمون اتهامات من كل حدب وصوب تطال فئة من دون فئة بكل عنصرية. أرادوا أن يشوهوا الحقائق، وأن يضللوا حقيقة بأن كل لبناني من كل بقعة في هذه الأرض ذهب لينتشل عاصمته بيروت من تحت الركام بكل لهفة، وبأن الناس على أرض الواقع نسيت كل انتماءاتها لأن انتمائهم الأول للبنان وواجبهم الأساسي أن يتوحدوا جميعاً من أجل إنقاذ بلدهم. 

لم يتركوا لنا مساحة نعيش فيها حزننا العميق والصادق والنابع من طبيعتنا الإنسانية والذي قاموا بالتشكيك به بطبيعة الحال. لم يحترموا دماء الشهداء وآلام الأهالي المفجوعين بأبنائهم. وكأن النكبة هذه لا تخص كل لبناني صغيراً كان أم كبيراً حتى ذاك المغترب عن وطنه. 

لم نرد ذلك، لم نرد سرقة آلامنا وأوجاعنا، أن تجف دموعنا قبل أوانها، وأن نبرر صدق ما نشعر به. أردنا فقط أن نعيش هذه الفاجعة وأن نحاسب كل من أوصلنا إلى هذه المرحلة. لأن لا شيء سيعوض خساراتنا الكبرى. لأن النار في قلوب أمهات الضحايا لن تنطفئ، وشعور الفقد لن يداوى في أرواح الذين فقدوا عزيزاً. 

لن يرجعوا، وحدهم يبقون كزهر البيلسان ونحن سنبقى هنا نصارع من أجل النجاة فقط لا غير. ولعل ما تعلمناه من أجل ذلك هو أن لحظة يمكن أن تغير كل شيء وأن تقلب الموازين فتنتهي أحلام ويولد ألم ويفقد أمل بأن شيئاً سيتغير في هذا الوطن، فالوطن أصلاً كما يقول غسان كنفاني هو ألا يحدث هذا كله. 

كلمات مفاتيح:



//